الانتحار في فلسفة تجارب الاقتراب من الموت.
الصفحة الرئيسية تجارب حديثـــــة مشاركة تجربــــة



الانتحار في فلسفة تجارب الاقتراب من الموت

قتيبة صالح فنجان

ليس من ثمة شك بأنَّ قتل النفس بغير وجه حق هو من الكبائر العظيمة التي تجعل صاحبها من المخلَّدين في النار إلى ما شاء الله وقد اتَّفقت جميع الأديان السماوية على تحريم قتل النفس والتأكيد على حرمتها، فقد نصَّ القرآن الكريم بآيات عديدة على حرمة قتل النفس، وعدَّها جُرماً عظيماً وجعل إثم قتل النفس الواحدة كإثم من قتل الناس جميعاً، فيُعذَّب قاتل النفس الواحدة عذاب من قتل الناس جميعاً، والناس هنا ليسوا أناساً محدَّدين في زمن أو عصر معيَّن، بل هم كل من يصدُق عليه كلمة إنسان في جميع الأماكن والعصور، فالقتل هنا لا يُعدُّ قتلاً لنفس واحدة فحسب، بل هو قتل لعنوان النفس الإنسانية، أو هو قتل للنفس الكلية كما يقول الفلاسفة، تلك النفس التي انضوت تحت عنوانها جميع النفوس الإنسانية، وهو معنًى تكشفه لنا، تجارب الاقتراب من الموت التي نجمت عن محاولات انتحار.

قال تعالى:

(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنَّه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرضِ فكأنَّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنَّما أحيا الناس جميعاً) المائدة: آية ٣٢.

ومن أعظم القتل هو أن يقتل الإنسان نفسه، ورغم تعدُّد الأسباب التي تدفع بالإنسان إلى ارتكاب جريمة الانتحار، تبقَى جريمة غير مبرَّرة لا ترتضيها جميع الأديان السماوية.

إنَّ بعض الأسباب التي تؤدي بالإنسان لأن يقتل نفسه، تكون أسباب تافهة كأن تكون ناتجة عن الخواء الفكري أو الديني أحياناً أو الخواء المالي والعاطفي في أحيان أُخرى.

لكن هنالك حالات انتحار ناتجة عن أسباب أُخرى تستحق التوقُّف عندها، وتُرينا تجارب الاقتراب من الموت في مثل هذه الحالات نوعاً من التفهُّم الإلهي لمثل هذه الحالات، كما سنرى.

ولا يعني هذا أنَّ الله تعالى يرتضي الانتحار أو يتسامح مع صاحبه وإنَّما تكون حالات الانتحار الناجمة عن أسباب مَرَضيَّة نفسية كالاكتئاب الحاد وانفصام الشخصيَّة وسائر الأمراض النفسيَّة والعقليَّة الأخرى التي تغلب على عقل الإنسان ونفسه منزوعة من الدافع الجرمي الذي نجده في حالات الانتحار الأخرى التي يسترخص فيها الإنسان حياته التي لا تُقدَّر بثمن، ربَّما لأجل شيء تافه قد يحصل عليه في وقتٍ لاحق، أو في الحالات التي ينتحر فيها الإنسان عبثاً لعدم الإيمان بالله عزَّ وجلَّ أو لأنَّ الحياة لا معنى لها كما يُخيَّل له، ومع ذلك فإنَّ أسباب الانتحار كثيرة تختلف باختلاف الظروف والمجتمعات.

إنَّ حالات الانتحار الخالية من القصد الجُرمي؛ هي تلك الحالات التي تكون ناتجة عن ظروف نفسيَّة قاهرة، كان فيها الموت في تقدير المنتحر خلاصاً ورحمة من المعاناة والتعاسة التي لا يمكن احتمالها.

فنرى في كلام النور الإلهي الذي وقف بين يديه أصحاب التجارب مع الزجر والتوبيخ وقطع الحُجَّة التي يحتجُّ بها صاحب التجربة، نوعاً من العطف والرفق والمراعاة للظروف النفسيَّة التي دفعت بصاحبها إلى الانتحار، وتبصير الإنسان، عظيم الجريمة التي أقدم عليها، فيعود إلى الحياة بعد ذلك وبعد أن فهم الرسالة وعرف قيمة الحياة التي فرَّط بها، وهذا الأمر يليق تماماً برحمة الله الواسعة غير المحدودة، فالله تعالى أرحم بالإنسان من نفسه وفرصنا الواسعة في الحصول على رحمته لا حدود لها.
الأمر الذي نراه في كثير من التجارب التي نجَمت عن محاولة انتحار، كما في تجربة إنجي فينيموري  (Angie Fenimore)،
فعندما التقت ذلك الكائن النوري والذي تعتقده أنه كان الله سبحانه وتعالى، سألها مؤنِّباً، وحصل بينهما الحوار التالي، حيث قطع عليها الحجَّة وأفهمها أنَّه لم يكن لها الحقُّ في إزهاق حياتها، بسبب التعاسة التي عانت منها وأنَّ عليها أن تصبر، وتنتظر حتى تتحسن ظروف حياتها:

"أهذا ما أردتيه حقاً؟" واستمر يخاطبني وأنا شاعرة بغضبه.

كنت أشعر أني واقعة في فخ ولم أكن قادرة على رؤية خِياراً آخر سوى الانتحار، فأجبته:

"لكنَّ حياتي قاسية جداً".

كانت أفكاري تتواصل بسرعة وكنت ألتقط الإجابة قبل أن أنتهي منها.

"هل تظنِّين أنَّها كانت قاسية جداً؟

... إنَّها لا تعني شيئاً لما كان ينتظرك لو أنك أكملتِ حياتك".

 

ولو لم يعد المنتحر إلى الحياة لاختلف الأمر ولا نستطيع الجزم بما ستؤول إليه حاله، ولكن ما نراه في بعض حالات الانتحار التي أنتجت تجربة اقتراب من الموت، ورغم اختلافها عن التجارب الأخرى للاقتراب من الموت، أنَّها لم تتضمن مشاهد من الجحيم أو حالات من العقاب المتوقَّعة، الأمر الذي جعل بعض الباحثين، يُعيدون النظر في الأطروحة الدينية القائلة بأنَّ الانتحار ذنباً لا يُغتفر وتكون عاقبته الخلود في النار، معتمدين على ما كشفته تجارب الاقتراب من الموت الناجمة عن محاولات الانتحار.

والجواب على ذلك يكون على عدَّة وجوه، منها:

 أنَّنا لا يمكننا دحض الأطروحة الدينيَّة التي اتَّفقت عليها جميع الأديان السماويَّة الكريمة، اعتماداً على تجارب الاقتراب من الموت التي لا تزال في طور الدراسة والبحث ولم نصل في معرفتها إلى حد الكمال رغم واقعية وصدق الكثير منها، لكنَّها لا تزال بحاجةٍ إلى المزيد من التَّقصِّي والبحث العلمي الدقيق الذي لا يتجاهل المعطيات والحقائق التي حصلنا عليها من هذه التجارب، وليس على أساس العلوم الطبيعية فحسب، وإن لم نفعل سنكون كمن ينظر إلى حقائق الوجود بعين واحدة.

وهذا الرأي ليس بجديد على الباحثين المعتدلين، الذين لا يضعون ثقتهم وبشكلٍ كلي على العلم القائم على الحقائق والمفاهيم القديمة فقط، كما يخبرنا بذلك أحد عمالقة البحث في تجارب الاقتراب من الموت، الدكتور بيم فان لوميل (Pim Van Lommel):

"مع المفاهيم العلميَّة والطبيَّة الحاليَّة، يبدو لنا أنَّه من الصعب تفسير كل عناصر التجربة الموضوعيَّة، التي أفاد بها المرضى الذين مرُّوا بتجربة الاقتراب من الموت، أثناء السكتة القلبيَّة وأثناء الفقدان المؤقت لجميع وظائف الدماغ.

إنَّ العلم كما أعتقد؛ في بحث لإيجاد تفسير لأسرار جديدة دون الاعتماد على قائمة الحقائق والمفاهيم القديمة، إنَّه تحدٍّ علمي جديد لمناقشة الفرضيات الجديدة التي يمكنها أن تفسر، الروابط والعلائق الموجودة مع الوعي لشخص آخر وكذلك مع الموتى من الأقارب، وتفسير إمكانيَّة تجربة فوريَّة ومتزامنة، من دون مقدمات لمراجعة واستعراض حياة شخص ما بصورة كاملة الأبعاد من دون وجود الجسم الطبيعي المرتبط بمفهوم الزمان والمكان، حيث توجد كل أحداث الماضي والحاضر والمستقبل، وإمكانية امتلاك الوعي الصافي بذكريات من بواكير الطفولة مع الشخصيَّة والعواطف والإدراك، وإمكانية الإدراك الحسِّي الفائق من فوق أو خارج جسد لا حياة فيه." [١]

ومنها أيضاً، أنَّ جميع الأديان السماويَّة، قد نصَّت على حقائق وكائنات وأجواء تحمل سمات الجنة أو النار لا نراها كلَّها في تجارب الاقتراب من الموت، إلا ما ندر في بعض التجارب والتي احتوت على كم قليل من هذه السمات.

الأمر الذي يعني أن أصحاب تجارب الاقتراب من الموت قد زاروا بعض العوالم الرُّوحيَّة وبوعي محدود ومقيَّد بالقوانين الإلهيَّة التي لا تسمح لنا بالاطِّلاع على تلك العوالم، إلا بقدر ما يشاء الله تعالى، أو هو منوط بعوامل معيَّنة لا نزال نجهلها.

والأمر نفسه في زيارات أحباؤنا من الموتى الذين يُسمح لهم بزيارة من يريدون في عالمنا، ولكن ضمن ضوابط وقوانين معيَّنة، فلا يكون له مطلق الحرية في الوعي والإدراك، فيطَّلع على ما يشاء ساعة يشاء.

فقد وردَت الكثير من الأحاديث، في أنَّ روح الميِّت تزور أهلها، فإن كان مؤمناً يرى ما يحب ويُحجب عنه ما يكره، استكمالاً لنعمة الله وفضله ورحمته التي تأبى أن تريه شيئاً ينكِّده ويُنغِّص عليه النعيم الذي هو فيه مقيم، أما إذا كان خبيثاً فإنَّه سيرى ما يكره ويُحجب عنه ما يسرُّه، استكمالاً لحالات العذاب التي يعيش فيها فلا راحة ولا سرور.

كما أنَّ الكثير من التجارب التي لم تنجم عن محاولة انتحار، تضمنَّت إشارات ومشاهد للعذاب وفقاً للأعمال الطيِّبة أو السيِّئة لصاحب التجربة، الأمر الذي يؤكِّد لنا أنَّ الرسائل المنقولة إلينا عبر هذه التجارب، تعتمد على مدى سعة الاستيعاب والإدراك لصاحب التجربة من جهة، وعلى نوع الرسالة الموجَّهة إلينا من جهة أُخرى.

فقد يأتينا أحد هؤلاء المنتحرين برسالة عميقةٍ ومكثَّفة، تحوي الكثير من مشاهد الجحيم أو مملكة الظلام، كما حدث في تجربة إنجي فينيموري،
ويأتينا آخرون بتجاربٍ لا تضمّ أكثر من دروسٍ أخلاقيَّة وتربويَّة موجَّهة، جعلتهم يُدركون فظاعة الجُرم الذي ارتكبوه وعادوا وهم مفعمين بحب الحياة.

إنَّ الحقيقة التي اكتشفتها (إنجي)، في التجربة الجوهريَّة العميقة التي مرَّت بها، هي حقيقة دينيَّة فلسفيَّة، تلك الحقيقة التي تنص على أن حقيقة وجود الإنسان بعد الموت هو مجموع الأخلاق والأعمال والأفكار والملكات النفسيَّة التي تكوَّنت وفقاً لطبيعة تلك الأخلاق والأعمال والأفكار، وهي التي تحدِّد طبيعة حياته ومصيره الأخروي وهو في دار الدنيا، مجرَّداً من النعوت والألقاب والعلاقات والحيثيَّات الأخرى التي التصقت به في الدنيا، حيث كان يُسمح لكلِّ واحد منا الاختفاء وراءها، وقد نصَّ على ذلك الرسول الكريم محمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) بقوله:

"إنَّما هي أعمالكم تُردُّ إليكم".

أما القدر الذي اكتشفَته (إنجي) من هذه الحقيقة الوجودية، هو قدر كبير وقد عبَّرت عن ذلك قائلة:

"عندما نموت تصبح حالتنا العقليَّة أشدُّ وضوحاً لأنَّنا سنلتقي بأولئك الذين يُسجِّلون أعمالنا حينما كنا نفعلها. إنَّ هذا هو النِّظام الطبيعي وهو ما يرسِّخ كيفيَّة اختيارنا العيش في هذا العالم، إنَّ حياتنا هي دقَّات القلب للمشروع الخالد للخليقة، كذلك فإنَّ لحظة الحقيقة الحاسمة هي لحظة التحوُّل؛ وهي التي تحدِّد كيف ستعيش أرواحنا إلى الأبد.

رغم أنَّ للجحيم أبعاداً معينة، لكنَّها في الأصل حالة عقليَّة فعندما نموت نكون مرتبطين بطبيعة أفكارنا، ففي عالم الفناء تصبح أكثر الأفكار ماديَّة والتي نبني أفعالنا على أساسها، ظلاماً يتطوَّر في أنفسنا وفي نفوس الآخرين، وتكون أكثرها لعنة.

لقد كنتُ في الجحيم من قبل أن أموت، [٢] لكنَّني لم أكن أدرك ذلك لأنَّني غالباً ما كنت أهرب من عواقب أفعالي حتى اللَّحظة التي أنهيت فيها حياتي. [٣]

فتجارب الاقتراب من الموت هي تجارب روحيَّة، وتخضع للقوانين والأحكام الرُّوحيَّة التي تحكم جميع التجارب الرُّوحيَّة.

وإنَّ هذه التجارب وإن اتَّفقت أغلبها على أن التجرُّد من الجسد وقوانينه الطبيعيَّة، هو السِّمة التي تميِّزها، لكنَّها لم تتفق على نوع ومستوًى واحد من الإدراك والوعي أثناء التجربة، لأنَّ الوعي والإدراك يخضعان لمدى التجرُّد والتسامي الرُّوحي لصاحب التجربة وكذلك مستوى التحرُّر من الأفكار والأوهام المسبقة، ومستوى تأثير التوحُّد الثقافي والديني على صاحب التجربة، ذلك التوحُّد الذي أشارت إليه الباحثة جودي لونغ (Judy Long)، والذي ذهب إليه الدكتور كارل أوسز (Karil Osis) في أن تكون هذه الرؤى خاضعةً أيضاً لتوقُّعات الإنسان.

والتي يمكن أن تمنع صاحب التجربة وتعيقه عن إدراك الكثير من الحقائق الموجودة في العوالم الرُّوحيَّة، لاختلاف تلك الحقائق عن اعتقاداته التي تربَّى ونشأ عليها سنين طويلة، رغم ما ينطوي عليه هذا التوحُّد من محاكاة ثقافية، تساعد كثيراً في إفهام صاحب التجربة؛ الحقائق في الرسائل الآتية إلينا من العالم الآخر، فلو رأى شخصاً بوذيًّا أو هندوسيًّا، في تجربة اقتراب من الموت، ملاكاً يخبره بأنَّه هو الملاك عزرائيل أو جبريل (عليهما السلام)، لما أثَّرت الرِّسالة التي سيحصل عليها في نفسه، بنفس التأثير الذي يكون عبر ظهور هذه الملائكة، في هيئات وأسماء معروفة عنده ولها تأثير معيَّن في نفسه.

ولهذا فإنَّ التجارب التي تضمَّنت عناصر مخالفة لذلك التوحُّد الديني والثقافي، تكون أحياناً أكثر صدقاً ودقة لتحرُّرها من ذلك التوحُّد، وهو أمر يمكننا رؤيته في كثير من التجارب، أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، تجربة رانيللي والاس
(Ranelle Wallace)
التي كانت تحمل مفهوماً عن حالة الإنسان عند الانتقال إلى العالم الرُّوحي، ففوجئت عندما رأت أن الحال هناك بخلاف ما اعتادت الاعتقاد به:

(تساءلتُ في نفسي: "ألا يفترض أن يوجد أناس هنا لاستقبالي، وهم ينشدون "ليتمجَّد الرَّب"، ثمَّ يعانقونني قائلين "مرحباً بك؟"). [٤]

أو كما نراه في تجربة ريكي راندولف
(Ricky Randolph)
الذي كان يحمل تصوُّر معيَّن عن المراحل الأولى من الموت، ليجد نفسه في مشهد مغاير عن ما كان يتوقَّعه:

"فكَّرتُ في نفسي قائلاً: لا يمكن أن يحدث هذا؟! أين المسيح؟ لم يخبرني أحد أنَّ مثل هذا الأمر سيحدث لي عندما أموت!!.". [٥]

ولهذا فإنَّ الخلط وسوء الفهم الناجم عند بعض الباحثين في تجريد محاولات الانتحار من المسؤوليَّة والعقاب الديني، كان بسبب الاعتماد على معطيات هذه التجارب القليلة، متناسين أنَّ الذين أقدموا على الانتحار قد عادوا وهم بعلم الله تعالى سيعودون، يحملون حب الله في قلوبهم تمتزج به توبة صادقة، فحُمِّلُوا برسائل ودروس أخلاقيَّة وتربويَّة، تجعلنا وإيَّاهم نُعيد تقييم نعمة الحياة التي منَّ الله عزَّ وجلَّ بها علينا، الأمر الذي يؤكِّد لنا دور هذه التجارب في تحقيق الشفاء والراحة من الأمراض التي كانوا يعانون منها والتي دفعت بهم إلى الانتحار وهم بعلم الله الرحمن الرحيم، أناس طيِّبون، مآلهم إلى الخير ولن يتردَّدوا في اغتنام الفرصة للصلاح إذا ما أُتيحت لهم، بعد أن يتم تبصيرهم بخطئهم وأنَّ ما فعلوه؛ لا يضرُّهم فحسب، بل هو يضرُّ جميع أبناء الإنسانيَّة، الأمر الذي اتَّفقت عليه الكثير من الرسائل القادمة إلينا من العالم الآخر، كما في تجربة إنجي فينموري:

"تعلَّمتُ أنَّ هنالك قوانين تحكم الطبيعة وقوانين تحكم الأرواح، وأنَّ واحداً من هذه القوانين، هو أنَّ قدراً من المعاناة يجب أن يُدفع مقابل كل عمل سيِّء وأدركت مدى الألم والمعاناة التي سبَّبتهما لأهلي وأُناس آخرين بسبب ضعفي، لكنَّني أرى الآن أنِّي قد دمَّرتُ نسيج الاتِّصالات بين الناس على الأرض، عندما وضعتُ حدًّا لحياتي وربَّما أثَّر بشكل قاس على حياة الملايين من الناس، لارتباطنا جميعاً من دون انفصال وأنَّ التأثير السَّلبي لقرار واحدٍ يمكن أن يشعر به جميع من في العالم". [٦]

وقد تضمنَّت تجربة إنجي فينموري الكثير من المشاهد الخاصة بالمطهِّر وأماكن تحمل سمات للجحيم الأمر الذي يسلب هؤلاء الباحثين دليلهم على عدم احتواء تجارب الاقتراب من الموت للمنتحرين على مشاهد أو عناصر من جهنَّم.

أما هذا التَّرابط الإنساني الشامل، والذي يتضرَّر إذا ما أخلَّ به واحد منا، الذي أدركَته إنجي، في تجربتها هو نفسه الذي تكلَّمت عنه رانيللي والاس في تجربتها:

"ورأيتُ نفسي والناس تقف إلى جانبي، لقد كنَّا أولئك الناس الذين سيعيشون حياة مشتركة على الأرض، حيث ارتبط مصيرنا بشكلٍ حيوي، فإذا فشل أي واحد منَّا في مهمته على الأرض فأنَّه سيسبب الأذى للآخرين، وإذا ما نجح فإنَّ الآخرين سيستفيدون من هذا النجاح، لقد كنَّا نشبه الكلمات المتقاطعة التي تحتوي على ملايين الكلمات المرتَّبة بشكل تام، لكن سرعانما يبدو عليها النقص، إذا ما فُقِدت واحدة من تلك الكلمات، حيث يفتقدها الجميع ولن يعودوا سعداء حتى يعثروا على تلك الكلمة المفقودة ويعيدوها إلى مكانها المناسب، إذ كل واحد منهم هو بحاجة إلى الآخر، وسنبقَى دوماً هكذا، أظنُّ أنَّه من الصعب تصوُّر حزن أي أحد منَّا إذا افترق عن الآخرين." [٧]

لا يُمكننا أيضاً فصل تجارب الاقتراب من الموت عن العوالم الرُّوحيَّة وبشكل خاص عالم البرزخ الذي هو أقرب العوالم لنا، والذي نزوره ليس فقط عند الموت ولا من خلال هذه التجارب فقط، بل كل يوم عندما ندخل في الحالة الشبيهة بالموت أي النوم.

فذلك يعني تجريد هذه التجارب من أهم العناصر التي تزيد من قيمتها وقيمة البحث فيها، والذي يعني أيضاً أنَّنا نتخلى عن حقل مثمر من العلم يتعلق بواحدة من أهم المسائل في تاريخ البشرية على الإطلاق، ألا وهي استمراريَّة الوعي البشري بعد الموت وبعيداً عن الجسد.

والحقيقة أنَّ ما نحصل عليه من هذه التجارب هو التأكيد على الكثير من الحقائق الدينيَّة عن الآخرة وعوالم ما بعد الموت، بل إنَّ لهذه التجارب دوراً لا يُنكر في توضيح الكثير من المسائل الغامضة وفي توسيع وبناء الكثير من المفاهيم التي نقرأها أو نسمع عنها، وبشكل عملي عن العوالم التي تنتظرنا كمراحل لابد لنا من المرور بها في سيرنا الأبدي إلى الله تعالى، وقد بيَّنتُ في كتابي (تجارب الاقتراب من الموت) مدى دقَّة التشابه بين هذه العوالم وفقاً لحقائق الفكر الديني والفلسفي مع ما حصلنا عليه من تجارب الاقتراب من الموت.

وفيما يلي بحثين في تجارب الاقتراب من الموت، الناجمة عن محاولات الانتحار، للدكتور كين رنك والدكتور بيتر فينويك ينقلان فيهما لنا بعضاً من هذه التجارب. [٨]

ففي كتابه حياة عند الموت (Life at death)، يحلِّل الدكتور كينيث رنك (Ken Ring) أربع وعشرين تجربة اقتراب من الموت لأشخاصٍ حاولوا الانتحار.

ولم يفد أي شخص من هؤلاء، برؤيته لظاهرة النفق أو رؤية النور الساطع أو واجهوا حضوراً ما، أو شعروا بالاتِّحاد مرَّة أخرى بحبيب ميِّت، أو دخلوا بعالم سماوي رائع متسام، بل إنَّ التجربة التي تكون بسبب الانتحار، ليست إلا تجربة مبتورة، غير مكتملة وكئيبة.

تبدأ تجربة الاقتراب من الموت الناجمة عن محاولة الانتحار بنفس الشعور بالراحة أو السلام وتستمر بالشعور بالتحرُّر من الجسد بنفس الدرجة التي تحصل في التجارب التي لم تنجم عن الانتحار.

ولكنَّها إذا ما مضت أبعد من ذلك واستمرَّت إلى النهاية مع مشاعر الحَيرة والارتباك، التي تنساق في الخواء والظلام الحالك.

إنَّ بحث الدكتور رنك يطرح وبقوَّة، بأنَّ تجربة الاقتراب من الموت الناجمة عن الانتحار لا تكتمل، بل هي تميل إلى التلاشي قبل ظهور العناصر السَّامية التي تُميِّز التجارب التي لم تنجم عن الانتحار.

إنَّ الاقتباسات التالية هي من البحث الذي قام به الدكتور رنك في حالات الانتحار:

حاول أحد الشباب قتل نفسه بتناوله لأقراص متنوِّعة.

(ليبروم Librium، ديميرول Demerol،
فاليوم Valium، ديالنتين Dilantin).

لقد بقي غائباً عن الوعي مدَّة أربعة أيَّام كنتيجةٍ لهذه الجرعة، بعد ذلك أخذ يتذكَّر أنَّه قد وَجد نفسه في منطقة رماديَّة:

"إنَّ الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أتذكَّره، ذلك اللون الرمادي، كما لو أنَّني كنتُ في ماء رمادي أو شيء ما، في الواقع لم أكن أرى شيئاً ما ولم أستطع رؤية نفسي أيضاً، كان الحال كما لو كان ذهني هناك فقط، من دون جسد".

وبينما كان على تلك الحال، شعر براحة:

"في العادة أنا شخص قلِق وعصبي – لقد اختفى الكثير من الخوف وأشياء مشابهة، وخلال ذلك اختفت كل مشاعر الخوف ولم أعد أحمله في داخلي، وحل محلها مشاعر الإثارة والمغامرة".

سأله الدكتور رنك: "هل كنت تَودُّ البقاء في تلك الحال؟".

فأجاب:

"نعم، كانت مشاعر طيِّبة"

أيضاً كان واعياً لأصوات موسيقى:

"لقد سمعتُ أيضاً موسيقى، أنواع مختلفة من الموسيقى"

د. رنك: "أخبرني، كيف كانت؟"

"كانت تشبه الموسيقى الكلاسيكية، أنا أحب الموسيقى الكلاسيكية، ولم يكن الذي سمعته هو موسيقًى على وجه التحديد، بل شيء أشبه بالموسيقى".

د. رنك: "هل تتذكَّر المشاعر التي شعرت بها عند سماعك تلك الموسيقى؟"

"لقد شعرت بالاسترخاء، وتلاشى الخوف حال استماعي لها، وشعرتُ بالأمل وبأنَّ هنالك شيئاً أفضل في مكان ما".

وأفاد أيضاً بأنَّ كل شيء وبضمنه الموسيقى وأصوات الإيقاع والأصوات المعدنيَّة والصدى والمشاعر قد اتَّحدت بالسائل الرمادي، الذي شعر بأنَّه يتخلَّله ويملأه، الأمر الذي أشعره بالراحة.

بعد برهة أخذ يعي صوتاً ما:

"أعتقد أنَّه كان صوت امرأة، ولكن (وقفة قصيرة) لم أتمكَّن من التعرُّف عليه".

د. رنك: "هل تتذكَّر الآن ماذا قالت لك؟"

"كلا. أتذكَّر فقط أنَّه كان صوتاً لطيفاً أحب أن أتذكَّره هو والسائل الرمادي، كان صوتها نوعاً من النداء، اتَّجهتُ بكلِّيتي نحوه".

د. رنك: "هل كان صوتاً ودوداً يُشيع الاطمئنان بنحو ما؟".

"نعم، صحيح.. تماماً كما كان ذلك المكان".

كان يحاول تحديد مكان ذلك الصوت:

"يبدو أنَّني كنتُ أحاول تحديد مكان الصوت، لكنَّ شيئاً ما دفعني إلى الخلف، أنا أعرف أنَّني كنتُ أريد الذهاب هناك.

كنت أعرف أنَّني لو وصلت هناك لأصبح كل شيء رائعاً، كنتُ متأكِّداً من ذلك، لا شكَّ في ذلك، لكن لا يزال هنالك شيئاً ما يحول بيني وبين الذهاب إلى هناك".

لقد رأى أثناء هذه التجربة صوراً لأشخاص يعرفهم، الذين بدوا على نحو ما يُمثِّلون إمكانية الحياة الطيِّبة، حيث بدت عليهم الرِّعاية الجيِّدة.

إنَّه يصف ذلك "كما لو أنَّه يُعيد استعراض شريط حياته"

كانت المسألة مترابطة:

"كان صوت المرأة أقوى، كنتُ أرغب بالذهاب هناك ولكنَّ جزءًا مني كان يريد أن (وقفة قصيرة) يعود مع تلك الصور".

ليتذكَّر بعد ذلك:

"كان الشيء الذي أتذكَّره تقريباً هو مشاعر السقوط، كما لو أنِّي سقطتُ بسرعة لأصطدم بالأرض، لأستيقظ عندها مع ارتجاج عنيف".

بعد ذلك:

"كان أول شيء فكَّرتُ فيه عندما استيقظتُ، أوه الحمد لله، لقد فعلتها، وكنت سعيداً جدًّا (كان مصاباً بكآبة حادة قبل محاولته الانتحار).

كنت جالساً أفكِّر في ما جرى لي وشعرتُ بأن -لا أعرف- بالطمأنينة وهي تغمرني، كنت سعيداً جدًّا ومبتهجاً، ولكن عندها (وقفة قصيرة) كان الأمر أكثر من السعادة، كانت نشوة كما أظن، لكنَّني لم أتمكن من شرح ذلك لأي أحد في ذلك الوقت.

تُلخِّص لنا هذه المقتطفات الملامح الجوهريَّة لتجربته، وقد أخبَرَنا أثناء مقابلته أنَّه لم يرَ بوضوح جسده الفيزيائي على السرير، بل كان يشعر بالتحرُّر من الجسد ولم يكن يشعر بأنَّ له أي وزن، كان عقلاً صافياً فقط، كما لم يكن يشعر بأيَّة معنًى للزمن.

لم يجد الدكتور رنك، في دراسته، شخصاً قد أفاد بشيء مكدِّر في أي تجربة اقتراب من الموت نجمت عن محاولة انتحار.

كان الاستثناء الوحيد هو وصف القليل منهم لصور من الهلوسة المضطربة، وهذا يبدو مختلفاً بصورة نوعيَّة عن المشاعر التي نجدها في التجارب التي لم تنجم عن محاولات انتحار.

ومن المؤكَّد أنَّ أحداً منهم لم يشعر أنَّه كان في الجحيم أو في طريقه إليها، لكنَّ ذلك لا يعني أن محاولات الانتحار لن تؤدي إلى تجربة غير سارة، فقط، إنَّه ليس هنالك دليل ناهض على هذه المسألة، بين ٢٤ تجربة اقتراب من الموت ناجمة عن محاولات انتحار، في دراسة الدكتور رنك.

 

بحث الدكتور بيتر فينويك (Peter Fenwick):

 

يُعتبر الإقدام على الانتحار، في الأديان السماويَّة، ذنباً قد يُدخل صاحبه الجحيم، ولكن لم يُفدنا أي شخص كتب لنا عن تجربته في الاقتراب من الموت بسبب محاولته الانتحار، عن شيء مكدِّر وله علاقة بالجحيم، بل إنَّ ما جرَّبوه كان على النقيض من ذلك، إذ يبدو أنَّهم قد حصلوا على دافع للاستمرار في الحياة.

وأنَّ الحالة العقليَّة، كما يبدو لنا، أثناء تجربة الاقتراب من الموت لا تشبه الحالة العقليَّة للشخص قبل التجربة.

لقد توقَّع بعض الأشخاص الذين حاولوا الانتحار أنَّهم سيكونون في حالةٍ من الاضطراب، أثناء زمن التجربة.

في الحياة الواقعيَّة يميل الناس المكتئبين إلى اختيار الصور والذكريات الكئيبة فقط، وإذا تأملنا التجارب التالية، سنرى أن المشاعر الكئيبة ستختفي عند دخولهم التجربة.

كان هنالك حالات من الوعي للسلام، ولأشياء رائعة يبدو أنَّها تُشفي الرُّوح الجريحة، وها هي  (شيلا بيري)، تصف لنا ما جرى لها قبل خمس عشرة سنة مضت:

"لقد تناولتُ جرعة كبيرة من الأسبرين والكحول، والتي أفرغوها منِّي في المشفى، كان الوقت ليلاً ومتأخراً فوضعوني في الردهة.

لا أدري إن كانت تعتبر هذه التجربة تجربة اقتراب من الموت أم لا، ولكن في الوقت نفسه، كانت روحي تعبة جدًّا وشعرتُ بأنَّني سأموت ربَّما إذا ما أردتُ ذلك بالفعل، وربَّما يمكن تصنيف الحالة التي كنت فيها بأنَّها حالةٌ من انكسار الرُّوح إن صح التعبير.

كنتُ أستلقي في الظلام وشعرتُ بنفسي وهي تنجرف وكنت أحس بأنِّي كنتُ في شرنقة دافئة. كنتُ أعي بأنَّني أتَّجه نحو مكان مظلم ضيِّق بحواجز مرتفعة.

رأيت في ذلك الظلام نوراً ينبعث من نافذة كوخ موجود أسفل ذلك المكان، فأردتُ الوصول إلى الكوخ ولكنَّ صوتاً انبعث داخل رأسي ليخبرني، أنَّ عليَّ الرجوع.

لا زلت أتذكَّر أنَّ أحداً ما أخذ بيدي وملأني شعور رائع بالسلام وشخصاً ما كل ما أستطيع أن أصفه به هو: أنَّه يُشبه الكون، ولازلت أستطيع أن أتذكَّر العودة إلى جسدي الثَّقيل.

وبقيتُ لبعض الوقت بعدما حدث لي أستمع لصوت الموسيقى الرائع، كما شعرتُ منذ ذلك الوقت أنَّ لحياتي بُعداً روحيًّا رغم أنَّني لا أمارس أيَّة طقوس دينية".

حاولت آن ثومسن الانتحار في شتاء عام ١٩٧٢م، عندما كانت مصابة باكتئاب حاد.

"لم أعد أقوى على الاستمرار في العيش مع ثلاثة أطفال صغار وزوج سيء الأخلاق (الذي تطلَّقتُ منه بعد ذلك)، فأخذتُ جرعة كبيرة من الحبوب المنوِّمة ولم يعثروا عليَّ إلا بعد أربعة ساعات.

تمَّ نقلي وبسرعة إلى أقرب مشفى بسيارة الإسعاف العائدة لقاعدة القوات الجويَّة البريطانية في ويلز، حيث كنتُ أعيش في ذلك الوقت.

كنتُ ميِّتة تقريباً وبقيتُ غائبة عن الوعي مدَّة أربعة أيام، وشعرتُ في اليوم الرابع، بأنِّي أموت، إذ حصَلَت لي سكتة قلبية، فعمِل الأطباء والممرِّضين على إنعاشي.

لقد غادرتُ جسدي، وأخذتُ أرتفع إلى الأعلى ببطء شديد، دون أن أنظر إلى جسدي الممدَّد على السرير.

كان السلام أروع من أن يُوصف، كان رائعاً جدًّا، ورأيتُ نوراً أبيض ساطع - ليس كبياض ورق دفتر الملاحظات الذي أكتب فيه، بل كان بياضاً روحيًّا، فاتَّجهتُ نحوه.

كِدتُ أصل ذلك النور، لكنِّي بدأتُ أُسحب إلى الأسفل بسرعة كبيرة، ولم أتوقَّف حتى عُدتُ إلى جسدي.

كنتُ ثقيلة، وبدا كل شيء مظلماً جدًّا، وأدركتُ بعد ذلك ببطء، أنِّي لم أمُت لأنَّ أطفالي الثلاثة كانوا بحاجة إلى أمِّهم.

كنتُ مؤمنة بالله، فقط لأنِّي قد تربيت على ذلك، ولكن وبعد هذه التجربة أصبحتُ شديدة الإيمان بالله والحياة الآخرة.

إنِّي واثقة الإيمان أنَّ الله قد أصلحني وساعدني في رعاية أطفالي الثلاثة، الذين تحمَّلتُ مسؤولية تربيتهم لوحدي في السنوات التالية للتجربة".

في واحدة من الصور التي تصف لنا تجربة الاقتراب من الموت التي نجمت عن محاولات الانتحار، ربَّما يمكننا أن نعتبرها قد تضمَّنت العناصر التي ربَّما يمكن ترجمتها على أنَّها تتعلَّق بالجحيم.

إنَّها واحدة من القليل من الصور التي تضمَّنت الشعور بالهبوط في حفرةٍ بدلاً من الصعود إلى الأعلى وحيث تمَّت رؤية نوراً أحمر بدلاً من الأبيض أو الذهبي.

ورغم أنَّ هنالك حضوراً ما، لكن لا يعتبر أنَّه كان وديًّا كما لا يكمن عدُّه حضوراً عدائيًّا، في الحقيقة اتَّسمتْ هذه التجربة كلياً بالحياديَّة ولم تكن جهنميَّة، كما لا يمكن اعتبارها إيجابيَّة أيضاً، عدا مشاعر العودة إلى الجسد وهو على سرير المشفى.

إليكم تجربة أخرى نجمت عن محاولة للانتحار:

"سنة ١٩٦٣م أوشكتُ على الموت بسبب محاولتي الانتحار، لقد هبطتُ في حفرة عميقة كما حدث لألبس في مدينة العجائب وكما لو أنَّني كنتُ في مصعد.

 كان هناك ضوءًا في الأسفل وحركة وانشغالاً كلياً، وكان الأشخاص الآخرين غرباء، وبالرغم من أنَّهم لم يكونوا يتكلمون ولا أنا أيضاً، ولكنِّني وبطريقة ما سألتهم عن الطريق فأخبروني أن أتَّبع الضوء الأحمر.

تحرَّكتُ في ذلك الاتِّجاه، لأجد نفسي وبصورة تدريجيَّة في نفق مظلم ودافئ، وحيداً بغض النظر عن نوعاً ما من الحضور، ليس عدائيًّا كما لم يكن وديًّا، فقط وجود ما هناك.

عند ذلك أخذتِ العتمة تزداد في ذلك الضوء الأحمر وبدأ يتذبذب، فعرفتُ أنَّه يجب عليَّ العودة.

كان الظلام مطبِقاً وكنتُ لوحدي تماماً.

لقد أحاط بجسدي الممدَّد على السرير، حشد من الناس المذعورين، وقد بدا أنَّه من الحماقة أن يعمل الناس هكذا ضجَّة.

كان ذلك الجسد يبكي وشعرتُ بشفقة كبيرة عليه في اللحظات التي كنتُ أعود فيها إليه.

لم أُخبر أي أحد عن تجربتي هذه، لأنَّهم كانوا سيظنُّون أنَّني أحمق، لكنَّها ظلَّت معي طيلة هذه السنين، وحاولتُ أن أفهم معناها.

وإذا ما كانت مجرَّد رد فعل طبيعي، حسناً.. فإنَّ الأمر ممتع".

----------------------------------

تدقيق لُغوي: أحمد حسن - السُّودان.
البريد الإلكتروني: ahmedhassanahmedzero@gmail.com

---------------------------------------------------

[١] حول استمراريَّة وعينا About the Continuity of Our Consciousness 

[٢] إنَّ من الأمور المتَّفق عليها في جميع الفلسفات الإشرافية وعبر جميع الأديان، أنَّ الحياة التي يحياها الإنسان في الدنيا، ترتبط بنحوٍ من الارتباط الوجودي الحقيقي، بحياة الإنسان في عالم البرزخ وكذلك عالم الآخرة، وهو أمرٌ نجده في فلسفة ابن عربي والسهروردي. وفي فلسفة الملا صدر تصديقاً وتفصيلاً لهذه الحقيقة، حقيقة عيش أهل الجنة في الجنة أو أهل النار في النار وهم في دار الدنيا وحقيقة أنَّ الحالة العقليَّة والنفسيَّة للإنسان ستتحول إلى سنخها في الدار الآخرة، فقد ورد في الصفحة ٣٣٠ من كتابه الشواهد الرُّبوبيَّة، قوله:

"فانظر حكم تفاوت النشآت في ماهيَّة واحدة وقس عليها حال كلّ ماهيَّة بحسب تخالف أنحاء الوجود، وهذا القدر يكفي للمستبصر لأن يؤمن بجميع ما وعده الشارع أو أوعد عليه فكلّ من تحدث في لغة العلم يجب أن يتأمَّل الصفات النفسانيَّة وكيفيَّة منشأيتها للآثار والأفعال الظاهرة ليجعل ذلك ذريعةً للوصول إلى كيفيَّة استتباع بعض الملكات للآثار المخصوصة في الآخرة. فكما أن شدَّة الغضب في رجل توجب ثوران دمه واحمرار وجهه وتسخين بدنه واحتراق مواده، الغضب صفة نفسانية موجودة في عالمِ باطنه وهذه الآثار من صفات الأجسام الماديَّة وقد صارت منها نتائج في هذا العالم فلا عجب من أن يلزمها في نشأةٍ ثانيةٍ "نارٌ موقدةٌ تطلع على الأفئدة" فأحرقت صاحبها".

[٣] Angie Fenimore's-Near death Experience.

[٤] RaNelle Wallace's near-death experience.

[٥] Ricky Randolph's Near Death Experience.

[٦] Angie Fenimore's-Near death Experience.

[٧] RaNelle Wallace's near-death experience.

 [٨] Ken Ring's and Peter Fenwick's NDE Research of Suicide.